طالبت مجموعة من الناشطين والمفكرين المصريين بإجراء تعديلات دستورية جذرية في مصر.
وتعد تلك الخطوة حالة نادرة لتحرك علني ومنظم للمعارضة المصرية بين أوساط المثقفين والنخبة، كما تعكس تزايد الجرأة في انتقاد القيادة المصرية.
الرئيس المصري حسني مبارك
|
وأطلق المطلب الأخير "الحملة الشعبية من أجل التغيير" التي تضم 26 من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان، والتي تأسست في أوائل سبتمبر/أيلول الماضي وجمعت العديد من أقطاب المعارضة بما فيها الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي.
وقال أحمد سيف الإسلام، مدير مركز هشام مبارك للقانون وأحد منظمي الحملة: "تعد تلك المرة الأولى التي ننظم فيها مثل هذه الحملة على هذا المستوى خاصة وأنها تضم أناسا مختلفين ذوي خلفيات مختلفة وينتمون لمختلف الشرائح الاجتماعية."
وتدعو الحملة في عريضتها، التي وقع عليها أكثر من سبعمائة ناشط ونشرت هذا الأسبوع، إلى إجراء اقتراع مباشر على منصب الرئيس وتحديد عدد مرات ولايته.
وتقول العريضة: "يعطي الدستور حقوقا مطلقة للرئيس. لقد دفعت الاستفتاءات والانتخابات المزيفة المصريين إلى العزوف عن المشاركة (السياسية)."
كما طالبت الحملة بإلغاء قانون الطوارئ المعمول به في مصر منذ اغتيال الرئيس المصري الراحل، محمد أنور السادات، على يد ناشطين إسلاميين في عام 1981 وبعد خلافة الرئيس الحالي، محمد حسني مبارك، للسادات.
تجدر الإشارة إلى أنه سيجري استفتاء على ولاية الرئيس مبارك لفترة جديدة بعد انتهاء ولايته الرابعة، التي تبلغ مدتها ست سنوات، في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
تخطي الخطوط الحمراء يذكر أن انتقاد الحكومة المصرية، وإن كان غير مباشر، كان يعتبر شيئا محظورا.
لكن المحلل السياسي، محمد السيد سعيد، يقول إن هذه الستارة الحديدية التي تفصل بين الحكومة والانتقادات قد تهالكت، إذ بدأت تستهدف منشورات الأحزاب بمختلف توجهاتها سياسات الحكومة والرئيس نفسه بشكل علني.
وأوضح السعيد أن العسكريين الذين تولوا مقاليد السلطة في مصر منذ ثورة يوليو/تموز عام 1952 زرعوا في الشعب المصري صورة للحكومة والنظام على أنه "كيان قوي ومقدس ومسيطر لا يجرؤ أحد على انتقاده".
وقال السعيد: "أعتقد أن هناك نقلة نوعية في العلاقة بين الدولة والمجتمع السياسي."
ووضح تراجع الصورة القوية والمهيمنة للنظام في أذهان المصريين، في أعقاب حالة الارتباك التي شهدتها المنطقة من جراء الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق.
رد فعل ولم يواجه منظمو الحملة الشعبية من أجل التغيير الكثير من المشاكل مع الحكومة منذ انطلاقها.
وأوضح سيف الإسلام أنه لا يتوقع ردا قويا من الحكومة.
وقال: "إن الحكومة لا توافق على إقامتنا لمؤتمر صحفي، لكنها لم تتخذ أي رد فعل قوي حتى الآن."
صورة نجل الرئيس معلقة على لوحة في أحد ميادين القاهرة
|
أما طارق البشري، القاضي السابق والمفكر العربي المعروف، فقد أشار إلى أن الحكومة المصرية تتعامل في السنوات الأخيرة مع الحركات الشعبية بشيء من التروي.
وقام الحزب الوطني الديمقراطي المصري بإعداد برنامج للإصلاح السياسي نتيجة لتعرض النظام في مصر لضغوط من الولايات المتحدة لاتباع أسلوب أكثر ديمقراطية في إدارة البلاد، إلا أن العديد من المصريين وصفوا ذلك البرنامج الإصلاحي بأنه مجرد تغييرات تجميلية.
يذكر أن هناك مطالبة منذ عدة سنوات بإجراء تعديلات دستورية.
كما أثير جدل حاد في الآونة الأخيرة بشأن من يقود مصر بعد مبارك وسط تكهنات بأن الرئيس المصري يعد نجله جمال مبارك لخلافته.
ولا يلزم الدستور الرئيس المصري بتعيين نائب له. وتجاهل مبارك طوال فترة حكمه تعيين نائب له.
وفي حالة عجز الرئيس المصري عن أداء مهام منصبه ستؤول إلى رئيس مجلس الشعب ليعقد بعد ذلك اجتماعا يضم أعضاء المجلس لاختيار مرشح لمنصب الرئاسة وإجراء استفتاء شعبي.
وقال محمد السيد سعيد: "إن الدستور به الكثير من المشكلات لدرجة أنه أصبح معطلا."
حملة طويلة الأجل وأوضح السعيد أنه في الوقت الذي يتوق فيه الكثير من المصريين إلى نوعية الإصلاح التي تنادي بها الحملة الشعبية، إلا أن الإصلاح الحقيقي لا يزال بعيد المنال.
وقال السعيد: "إن المجتمع المصري ضعيف جدا. فنحن لم نصل بالمؤسسات والبنية التحتية إلى المستوى الكافي للخوض في نضال من أجل الديمقراطية."
ويعد الخوف من المجهول في المجتمع المصري أحد الأسباب القوية لاستقرار الوضع وعدم حدوث أي تغيير.
فقد رد السعيد قائلا عن سؤاله إذا كان مبارك سيفوز في اقتراع مباشر ضد مرشحين آخرين: "بالطبع (سيفوز). إنني لا أشك في فوزه."
وأقر منظمو الحملة الشعبية بأن فرص تحقيق مطالبهم قبل إجراء استفتاء لمنح مبارك ولاية خامسة "محدودة للغاية".
كما أن إلغاء العمل بقانون الطوارئ يحتاج لحملة طويلة الأجل خاصة في أعقاب تفجيرات سيناء.
وقال عصام العريان، أحد أبرز شخصيات الإخوان المسلمين والعضو البرلماني السابق: "أعتقد أننا نحتاج إلى فترة انتقالية. نأمل أن تكون ولاية مبارك الخامسة هي تلك الفترة الانتقالية. فإذا ألغى قانون الطوارئ وسمح بتأسيس أحزاب سياسية فإنني أعتقد أن ذلك سيكون بداية لحوار جيد في هذه البلاد وسيحافظ على سلامتها."
وأضاف العريان محذرا: "أما إذا لم يفعل الرئيس ذلك واستمر في حكم البلاد بقبضة من حديد فإن الوضع سيكون خطيرا بالنسبة له ولنظامه وللبلاد بأسرها